[هذا المقال هو الثاني من سلسلة جزئين حول صنع الحدود العراقية. اضغط/ي هنا لقراءة الجزء الأول بالعربية ]
لا تهدف دراستي لكيف قام الفاعلون المحليون بصياغة تشكّل العراق كدولة ـ أمة بعد الحرب العالمية الأولى إلى إنكار سلطة القوات الإمبراطورية البريطانية، أو العنف الذي سلّطتْهُ على العراقيين أثناء فترات الاحتلال (1914- 1920) والانتداب (1920-1932)، بل على العكس، أقول إن إحدى نتائج سرد الدولة المصطنعة هو طَمْس العنف الإمبراطوري البريطاني وفي الوقت نفسه إنكار تأثير الأفعال غير البريطانية والمضادة للبريطانيين. إن إحدى الطرق التي يعمل بها هذا هو تخيّل أن حدود العراق وُضعتْ على "خريطة فارغة" في غرفة رسمٍ أوربية وليس (كما وُضعت حدود جميع الدول ـ الأمم في جميع الأمكنة) من خلال حل المطالب المتنافسة على الأرض والسيادة واستخدام القوة، وأفعال التمرد ومكافحة التمرد.
إنّ ثلاث لحظات في التشكيل الأولي لحدود العراق (وعلى نحو محدد مع سوريا ونجد، أي المملكة العربية السعودية الحالية، وتركيا) تساعد في توضيح بعض الطرق التي اشتغلت بها العملية. وقد لعب البريطانيون أدواراً مهمة، وكذلك فعل سكان العراق وسوريا ونجد وتركيا.
العراق وسوريا
كانت الحدود بين سوريا والعراق متنقلة منذ نهاية الحرب في 1918 إلى استقلال العراق الرسمي في 1932، لكن مفهوم العراق وسوريا كدولتين منفصلتين كان مقبولاً على نطاق واسع. وغالباً ما يُنسى أن مؤتمر سان ريمو، الذي عُقد على عجل في أواخر نيسان\\أبريل، 1920، كان إلى حد ما رداً من القوى الاستعمارية على المؤتمر العربي الذي عُقد في دمشق في أوائل آذار\\مارس، وأعلن استقلال سوريا والعراق كملكيتين دستوريتين تحت حكم ولدين للشريف حسين هما فيصل وعبد الله. وأصدر فرع العراق من حزب العهد، الذي كان يُشار إليه غالباً باسم الحزب "القومي العربي"، إعلان العراق ، وقادَ ضباطٌ عراقيون سابقون في الجيش العثماني مقيمون في سوريا حزب العهد العراقي الذي تشكّل في أواخر 1918، بعد أن انشقت المجموعة الأصلية إلى اثنتين؛ وفي 1919 كان له أيضاً فرع نشط في الموصل وواحد أقل نشاطاً في بغداد. ودعا برنامجه الرسمي إلى "استقلال العراق استقلالاً تاماً" داخل "حدوده الطبيعية"، والتي عرّفها بأنها تمتد من الخليج الفارسي إلى ضفة نهر الفرات شمال دير الزور في سوريا الحالية وإلى نهر دجلة قرب ديار بكرفي تركيا الحالية، وهذا يشمل من الأراضي أكثر مما هو متضمن في محافظات البصرة وبغداد والموصل العثمانية.(1) وتعهد الحزب أيضاً بالعمل داخل "إطار من الوحدة العربية" معرّف بشكل غير محدد؛ وهذا الجزء من برنامجه يُفهم على نحو أفضل بأنه عروبي وليس قومياً عربياً، بما أنه لم يتضمن أي مخيال أرضي محدد أو متوجّه نحو الدولة.
دعا فرعا العهد في 1919 إلى دولتين مستقلتي الأراضي، هما سوريا وعاصمتها دمشق، والعراق وعاصمته بغداد. وأثناء ثورة 1920 العراقية ضد الانتداب البريطاني (والتي نشبت في أيار\\مايو وحزيران\\يونيو، إلى حد ما كرد على سان ريمو، وشملت مناطق كبيرة من شمال غرب ووسط وجنوب العراق) كان هذا أيضاً هو البرنامج الرسمي للحزب العراقي الوطني الآخر، حرس الاستقلال، الذي يتخذ من بغداد مقراً له، ويتمتع بدعم مهم في المدن الشيعية الجنوبية. (2) لم يختلف الحزبان على المطالبة باستقلال الدولة العراقية الممتدة من الخليج الفارسي إلى مكان ما شمال الموصل، والمتميزة عن سوريا، وعاصمتها بغداد (هذا كل ما اتفقا عليه) بل اختلفا على مسألة أي نوع من المساعدة الأجنبية ستعتمد عليه الدولة العراقية المستقبلية. إذ قال برنامج العهد العراقي إنها يجب أن تعتمد بصورة حصرية على المساعدة البريطانية، بينما أعلن برنامج الحرس أن العراق المستقل يستطيع أن يطلب المساعدة من أية دولة أجنبية يشاء.
كان هذا الفهم للعراق وحدوده أيضاً نقطة التوافق الوحيدة بين الوجهاء في الأقاليم العثمانية الثلاثة، الذين كانوا منخرطين في استفتاء نظمته بريطانيا في أواخر 1918 وأوائل 1919. وبينما صُوِّرَ الاستفتاء كمحاولة لمعرفة رأي المحليين حول أي نوع من الحكومة يريدون، وُجّه الضباط في جيش الاحتلال البريطاني كي يحققوا نتائج مرغوبة بأية وسائل ضرورية. وهكذا، في معظم الأمكنة، جُمعت دزينة أو حتى عدد أقل من الوجهاء الذين اعتُقد أنهم موالون للبريطانيين وصدرت تعليمات لهم بأن يجيبوا بشكل محابٍ على مجموعة من الأسئلة حول مستقبل العراق. ما كان لافتاً حيال الاستفتاء ليس نفاق المسؤولين الاستعماريين البريطانيين، أو حقيقة أنهم نجحوا في أمكنة كثيرة في تحقيق النتيجة التي يريدونها. بل أنهم فشلوا في أربع من مدن العراق الأكثر أهمية (بغداد والنجف وكربلاء والكاظمية) في العثور على حتى مجموعة صغيرة من الوجهاء المذعنين يعبرون عن رأي موحد يقبل الحكم البريطاني للعراق. ففي كل هذه المدن، بُدل نص الاستفتاء بطريقة ما (بصورة مخالفة للتعليمات البريطانية الواضحة) من أجل رفض الاحتلال البريطاني وتأكيد رغبات العراقيين بالاستقلال التام. وكان الجزء الوحيد الذي لم يُرْفض أو يُبَدَّل في النص في أي من الردود هو تعريفه للعراق كدولة تمتد "من أعلى شمالي الموصل إلى خليج العجم" (3)
لم تكن هناك خريطة رُسمت في سان ريمو في 1920؛ فقد أجّل الاتفاق تحديد الحدود. لكن هناك شيئاً وحيداً فعلته القوى الأوربية في سان ريمو هو المصادقة على مفهوم العراق وسوريا كدولتين، بينما قسمت اتفاقية سايكس ـ بيكو العراق الحالي وسوريا إلى ثلاث أو أربع دول. وكانت اتفاقية 1920 أكثر تماشياً مع المطالب القومية المحلية، وخاصة مع الاستقلال المعلن حديثاً للعراق وسوريا، وكذلك مع حالات الفهم التاريخية واللغوية في العالم الناطق بالعربية للعراق وسوريا كمنطقتين جغرافيتين، وأحياناً كدولتين، متمحورتين حول دمشق وبغداد وإن لم يكن بصورة قوية. وكان مؤتمر سان ريمو أيضاً محاولة لاحتواء المطالب القومية تلك، عبر وعد الدولتين باستقلال شرطي فحسب، والتحرك نحو الاستقلال الكامل النهائي، تحت وصاية حكومتي الانتداب، فرنسا وبريطانيا. وعليه، لم يكن الصراع الرئيسي بين القوميين المحليين والقوى الاستعمارية الأوربية في 1920 (على الأقل بقدر ما تهمنا الحدود العراقية السورية) متمحوراً حول تقسيم الأراضي العربية إلى دول منفصلة بل حول درجة وتوقيت سيادة هذه الدول. وبالطبع، كانت الأمور مختلفة على الحدود السورية الغربية والجنوبية، نظراً للصراعات على فصل فلسطين ولبنان والأردن عن سوريا (الأول في وقت مؤتمر سان ريمو، والاثنان الآخران فيما بعد) وربما صاغت هذه الصراعات فهمنا لتشكل العراق.
كان الخلاف الرئيسي في تحديد الأماكن الفعلية للحدود العراقية ـ السورية (لنترك جانباً الموصل للحظة، بما أن النزاع الرئيسي حولها عراقي ـ تركي وليس عراقياً ـ سورياً) يدور حول محافظة دير الزور العثمانية. ففي سايكس ـ بيكو وُضعت دير الزور في الجانب الفرنسي من الحدود بين أراضي ألف وباء، لكن حقيقة أن المحافظة انتهت إلى سوريا كانت تقريباً مجرد مصادفة تاريخية.(4) وفي تشرين الثاني\\نوفمبر 1918، قادت الصراعات بين سكان دير الزور وضباط الجيش العربي في سوريا الوجهاء المحليين لمناشدة البريطانيين كي يضموا المنطقة إلى الأراضي العراقية المحتلة. فوصلت القوات البريطانية في حينه وفعلت هذا. ولكن السكان استاؤوا في الحال من الاحتلال البريطاني أيضاً، وفي 1919، رفعوا عريضة لدمشق كي تعاود دمجهم في سوريا.
ومن المفارقات أن الضباط العراقيين في حزب العهد العراقي، الذين كانوا في النهاية مسؤولين عن إدخال دير الزور في سوريا، كانوا يأملون استخدام المنطقة كقاعدة لشن هجمات من سوريا على قوات الاحتلال البريطانية في العراق، وهذا ما فعلوه، وبذلك ساعدوا في نشوب ثورة 1920.(5) وفي 1923، شرح الوطني العراقي المقيم في بغداد محمد مهدي البصير القرار حيال دير الزور قائلاً: "إن الجالية العراقية (في سوريا) كانت ترمي بعملها إلى تحرير العراق نفسه، و لو اقتضى ذلك ضم الكثير من أراضيه إلى الحكومة السورية".(6) وفيما بعد أكد مسؤولون بريطانيون بارزون، بينهم الحاكم الملكي في العراق في ذلك الوقت أ. تي. ولسون، أن إذعان بريطانيا حيال دير الزور، أي سحب قواتها والتنازل عن الإقليم للجيش العربي في سوريا، ساعد في نشوب ثورة 1920، ليس فقط من خلال تزويد الضباط القوميين العراقيين في سوريا بقاعدة للعمليات العسكرية العابرة للحدود لكن أيضاً من خلال منح معارضين آخرين للانتداب البريطاني في العراق الإحساس بضعف بريطانيا. (7)
العراق ونجد
تُركت حدود العراق الجنوبية مع نجد (المملكة العربية السعودية حالياً) غير محددة بشكل كامل في معظم الاتفاقيات الدولية أثناء وبعد الحرب، رغم أنها تظهر في خريطة مبكرة لأراضي الانتداب (انظر في الأسفل). وتُشكِّل هذه الخريطة، التي سُمِّيت "الانتدابات في شبه الجزيرة العربية" وعُرضت في كثير من الروايات الشعبية وروايات الباحثين عن العراق كدولة مصطنعة، مثالاً جيداً عن المزالق المتضمنة في تعقب تاريخ الحدود ما بعد العثمانية. وفي نقطة ما، بدأت الخريطة تُؤرَّخ في 1920، وعُزيت إما إلى معاهدة فرساي أو اتفاقية سان ريمو، موحية هكذا أن الحدود التي تظهرها وُضعتْ آنذاك. لكن هذا التاريخ مستحيل لأسباب عديدة، منها تصوير الخريطة لانتدابٍ على شرق الأردن، لم يوجد حتى كمفهوم إلى 1921. وفي الحقيقة، رسم الخريطة الجغرافي الأميركي لورنس مارتن في 1924، كتأويل شخصي لجميع اتفاقيات الحدود بما فيه معاهدة لوزان في 1923. وفيما يتعلق بالحدود بين العراق ونجد، فإنها تُصوِّر في الواقع الموقف في أوائل 1922، أو على الأقل تأويلاً واحداً معقولاً له. وكان مارتن غير مدرك على ما يبدو لإعادة رسم الحدود في بروتوكول العقير الذي وُقِّع بين العراق ونجد في كانون الأول\\ديسمبر من ذلك العام. (8)
[خريطة أراضي الانتداب في ١٩٢٤. جميع الحدود بالخطوط المتقطعة معرفة بأنها “غير محددة" . صورة من اتفاقيات السلام ١٩١٩-١٩٢٣ (نيويورك: كارنيغي إنداومنت للسلم العالمي، ١٩٢٤)]
على أي حال، تظهر كلٌّ من الحدود بين العراق ونجد وبين شرق الأردن ونجد على هذه الخريطة أبعد إلى الجنوب من مواقعها الحالية. وفي سايكس ـ بيكو كانت الأرض المتصورة بأنها العراق المحكوم من بريطانيا، تمتد حتى أكثر إلى الجنوب على الجانب الشرقي، شاملة خط الساحل وقطعة داخلية جيدة تمتد من شبه الجزيرة العربية إلى قطر. وكان العامل الرئيسي الذي أبطل كلا الخطتين، مثبتاً الحدود في موقعها الأكثر تقدماً نحو الشمال، هو التوسع العسكري لعبد العزيز بن سعود من نجد وقواته من الإخوان في تلك الأعوام. ففي سلسلة من الاتفاقيات مع عبد العزيز من 1920-1927، أقر المسؤولون البريطانيون بغزواته المستمرة للأراضي من خلال قبول تقلصات متعاقبة لأراضيهم المتصورة. وقاتلت بريطانيا في النهاية لمنع المزيد من التوسع نحو الشمال للدولة السعودية، شانةً هجوماً جوياً عنيفاً على أراضي نجد المعترف بها من أجل تلك الغاية في 1927-1928. وكان الخط الذي رسمته بريطانيا على الرمال يعبّر عن تصميمها بألا تفقد ما تبقى من المجاز الذي يصل انتدابها في العراق مع انتدابها في شرق الأردن، الذي، في المنظور البريطاني، ضيّقته غزوات عبد العزيز الأخيرة على نحو خطير.(9) وتظهر الصورة التي في الأسفل مخططاً تقريبياً لحدود العراق مع نجد في 1927، حين أوقفت القوات الجوية البريطانية أخيراً التقدم السعودي.
[العراق في ١٩٢٧. صورة من “حدود نجد": ملاحظة حول أوضاع خاصة، جيوغرافيكال ريفيو، ١٧، ع ١ (كانون الثاني\\يناير ١٩٢٧)]
وبدلاً من خط على خريطة فارغة، عُرفت الحدود في الاتفاقيات كسلسلة من الخطوط التي تصل بين ينابيع أو آبار في الصحراء. وكان وضع الحدود في جانب أو آخر من كل بئر يحدد جنسية البدو الذين يعيشون في الأراضي الحدودية. وإذا وُضع بئر في الجانب العراقي، فإن أعضاء القبيلة، التي يُعرف محلياً أن البئر ينتمي إليهم، يصبحون رعايا عراقيين؛ بخلاف ذلك، يصبحون رعايا نجد. ولم تكن عمليات الوضع نفسها اعتباطية أيضاً، بما أن المسؤولين البريطانيين والعراقيين وعبد العزيز كانت لديهم أفكار قوية عن أية قبائل يريدون أو لا يريدون كرعايا، وكانوا يتفاوضون على تلك التي يطالب بها كلاهما. وكان للقبائل أيضاً رأي في المسألة؛ وقاوم البعض بنجاح جنسيتهم الجديدة ونُقلوا إلى الجانب الآخر. (10)
تركيا والعراق
كان النزاع على إقليم الموصل العثماني أهم نزاع حدودي في تشكّل العراق الحديث حتى الآن. وحين احتلت بريطانيا الموصل في ٣ تشرين الثاني\\نوفمبر 1918 ثم رفضت الرحيل، حنثت بمعاهدتين: اتفاقية سايكس ـ بيكو مع فرنسا، والتي وفقاً لها يجب أن تكون الموصل خاضعة للنفوذ الفرنسي، وهدنة مدروس الموقّعة في 30 تشرين الأول\\أكتوبر 1918، والتي أنهت رسمياً الحرب العالمية الأولى في الشرق الأوسط عبر إنهاء الهجمات بين الإمبراطورية العثمانية وقوات الحلفاء. ومنذ أن احتلت بريطانيا الموصل بعد أربعة أيام من توقيع الهدنة، أي حين لم تكن في حالة حرب مع الإمبراطورية العثمانية، رفض العثمانيون أولاً، ثم الدولة التركية، بشكل طبيعي، الاعتراف بشرعية الاحتلال وبالتالي بدمج الموصل في العراق.
[معاهدة سيفر، ١٩٢٠ من معاهدات السلام ١٩١٩-١٩٢٣، نيويورك معهد كارنيغي انداومنت للسلم الدولي، ١٩٢٤)]
نجحت بريطانيا في النهاية في إدخال الموصل في العراق، بيد أنه كان هناك عامل مهم في وضع الحدود العراقية ـ التركية، غالباً ما نُسي، وهو حرب الاستقلال التركية. إن تاريخ حدود تركيا الجنوبية (1918-1923) معقد جداً بحيث لا يمكن عرضه هنا، لكن يكفي القول إن معاهدة سيفر، التي فُرضت على الدولة العثمانية في آب\\أغسطس 1920، تركت تركيا دولة مهلهلة في وسط الأناضول. وامتدت الأراضي الخاضعة للنفوذ البريطاني والفرنسي نحو الشمال إلى تركيا الحالية عبر دولة أو منطقة شبه مستقلة، ربما كردية؛ وتظهر الخريطة أعلاه تأويل لورنس مارتن لمعاهدة سيفر. وقد ساعدت هذه المعاهدة في إذكاء حرب الاستقلال التركية، التي هزمتْ فيها القوات الكمالية الحلفاء واستعادت الكثير من الأرض التي خسرتْها تركيا منذ هدنة 1918، موسعة الحدود جنوباً مرة ثانية. وفي هذه الحالة، فُرضت الحدود على القوى الأوربية وليس من قِبلها. ولو هُزم الكماليون، لكان من المحتمل أننا نسمع الآن أن الأوربيين رسموا حدود الشرق الأوسط الحديث في سيفر بدلاً من سان ريمو أو سايكس ـ بيكو.
وضعت معاهدة لوزان لعام 1923، التي أنهت حرب الاستقلال التركية، معظم حدود تركيا الحالية، لكن ليس الحدود مع العراق، بما أنه لا تركيا ولا بريطانيا تخلتا عن الموصل. ونصّتْ الاتفاقية أن يلجأ الطرفان إلى حل سلمي للنزاع، وإذا فشل هذا في غضون تسعة أشهر، فإن المسألة ستُحال إلى عصبة الأمم، وهذا ما حدث. وبعد أن تجول مندوب عينته العصبة في الموصل في 1925 كي يتبين الرأي المحلي، زكى أن يُمنح الإقليم للعراق. طعنت تركيا القرار، لكنه دُعم، وفي 1926 وقعت تركيا الاتفاقية التي ترتب حدودها مع العراق. وأعلن ملك العراق فيصل أن المعاهدة "تثبت كياننا السياسي، في الداخل والخارج".(11) وكان على صواب، بالطبع، بما أن الاعتراف المتبادل (وخاصة بقرار حول مطالب متنافسة على الأرض) هو ما هي الحدود، أو ما يجعل الحدود ممكنة. وهذا يتطلب الأمرين على الأقل.
عمل كلٌّ من المسؤولين البريطانيين والعراقيين بكد لثماني سنوات كي يفصلوا الموصل عن تركيا. وشنت القوى الجوية البريطانية حملات قصف جوي متواصلة تقريباً، وصفتها مصادر بريطانية رئيسية، وكررت ذلك مصادر ثانوية، بأنها أفعال دفاعية ضد "الغزوات" التركية في العراق. وبما أن الموصل لم تنتم بعد للعراق، فإن هذا يمكن أن يكون وصفاً مشكوكاً به على أي حال. واستهدفت عمليات القصف الجوي كلاً من الجماعات المؤيدة لتركيا على طول الحدود والانفصاليين الأكراد. وكما شرح الأمر تقرير بريطاني:
إن العرب والأكراد… يعرفون الآن ما يعنيه القصف الحقيقي، في عدد الضحايا والأذى؛ يعرفون الآن أنه في غضون 45 دقيقة يمكن أن تُمسح قرية كاملة عن وجه الأرض، ويُقتل ثلث سكانها أو يصاب من قِبل أربع أو خمس آلات لا تمنحهم هدفاً حقيقياً، ولا فرصة للعظمة كمحاربين، ولا وسائل فعالة للهرب.(12)
استُخدم أيضاً المزيد من الإجراءات الدبلوماسية. وأصدرت حكومة الانتداب بيانات من بغداد تعد بأن لغات وحقوق الأقليات في الشمال ستُحترم، وزارت وفود المسؤولين العراقيين الموصل والسليمانية لإقناع السكان بأن أمورهم ستكون أفضل في العراق بدلاً من تركيا، خاصة بما أن الموعد يقترب لوصول لجنة عصبة الأمم.
وفي الحقيقة، اكتسبت الموصل من 1918 إلى 1926 أهمية كبرى في تشكيل هوية وطنية عراقية، وهذه عملية لم يُنتبه إليها جيداً وبالتالي هي غير مفهومة جيداً. وكانت نقطة التوافق الكلية سابقاً، في الاستفتاء الذي جرى في 1918 -1919 ، كما لاحظ كل من المراقبين العراقيين والبريطانيين، هي أن "الموصل جزء من العراق" (13)، وفي الأعوام التالية وصف الشعراء الوطنيون في بغداد والبصرة الموصل بأنها "جوهرة العراق". وعبأ المسؤولون العراقيون هذه العواطف لمواجهة الانتقادات الوطنية لصلة الانتداب؛ وأكد رئيس الوزراء عبد المحسن السعدون أن الموصل "رأس جسد" الدولة العراقية، وصرح الملك فيصل أن مسألة الموصل هي "قضية موت وحياة تتعلق بوطننا"،(14) وكان المسؤولون البريطانيون مدركين لهذه المشاعر أيضاً، واستخدموا على نحو متكرر الموصل كجزرة وعصا في آن واحد معاً لإجبار الوطنيين في بغداد والمناطق الجنوبية على القبول.
وعلى نحو أكثر درامية، هددوا بالامتناع عن دعم قضية العراق في عصبة الأمم حول النزاع على الموصل إذام لم تصادق الحكومة العراقية على معاهدة مع بريطانيا تضمن سلطة بريطانيا على شؤون العراق. ونشب جدل مطول بين الوطنيين العراقيين في ذلك الوقت حيال إن كانت بريطانيا تمارس الخداع (في النهاية، كان لها مصالح نفطية) لكن كثيرين لم يعتقدوا أن هذه مقامرة تستحق القيام بها، خاصة بعد أن عرضت تركيا على بريطانيا الحقوق نفسها في نفط الموصل التي ستحصل عليها مع العراق. وأكد فيصل أنها "ستكون مجازفة مخيفة بأقدس جزء من وطننا".(15) وحين صادق المجلس التأسيسي العراقي أخيراً على المعاهدة البريطانية العراقية في 1924، تحت ضغط بريطاني قوي، جعل موافقته شرطية على "حماية الحكومة البريطانية على حقوق العراق في ولاية الموصل الموصل بأجمعها".(16)
وانقسم سكان الموصل بحدّة بين مؤيد لتركيا ومؤيد للعراق أثناء تلك الأعوام، وكان بعضهم يتحرك جيئة وذهاباً عبر خط التقسيم بحسب تقييمهم للأوضاع المتبدلة بسرعة. كانت الولاءات الطائفية تدفع في الغالب الولاء السياسي بالنسبة للبعض، وخاصة الأرمن والمسيحيين الآخرين. وكان من الصعب قبول تركيا بعد الإبادة الجماعية والحرب التركية ـ الأرمنية. وانقسم آخرون (وربما خاصة الأكراد). وقد عقّد هذا الانقسام، في حالة الأكراد، وجود فئة ثالثة تقترح دولة كردية مستقلة. وكانت هذه الفئة مسموعة الصوت تقريباً في لحظات مختلفة وفي مناطق مختلفة، ولكنها لم تكن متوحدة أبداً بما يكفي كي يكون لها حظ أوفر ضد القوة الجوية البريطانية. وبالنسبة لسكان الموصل العرب لم تحدد الانتماءات الطائفية واللغوية وحتى العروبية بالضرورة الولاءات السياسية. فقد نشبَ، مثلاً، نزاع بين الموصل وفروع من العهد العراقي ذي التوجه العروبي التي تتخد مقراً لها في سوريا حين أعلنت مجموعة في الموصل أن كثيرين من سكان الموصل يتطلعون إلى تركيا وأن العراقيين بعامة سيكونون أحسن حالاً إذا تحالفوا مع الكماليين (والبلاشفة) بدلاً من العرب الحجازيين مثل الشريف حسين وأبنائه.(17) وبالنسبة لجميع الموصليين، عقّدت النزاع دوماً حقيقة أنه كان هناك مخيالان متصارعان حول "العراق": المخيال البريطاني والمخيال المستقل.
كان مهماً جداً لسكان العراق غير العرب أن يكون "العراق المستقل" متخيلاً في الغالب (من قبل كل من العراقيين والبريطانيين) كـ "دولة عربية". ولم تكن العروبة والوطنية العراقية إيديولوجيتين متعارضتين في العشرينيات، كما تفترض بعض نسخ سرد الدولة المصطنعة؛ كي تتحدث فيما بعد عن انقسام سياسي حول الفترة نفسها. بالأحرى، صاغت العروبة تشكل هوية عراقية وطنية وبالتالي تشكيل العراق كدولة ـ أمة. ومال كثير من الأكراد المؤيدين للعراق نحو استمرار نوع من الإدارة البريطانية بدلاً من إنشاء عراق "عربي" مستقل. وشجع المسؤولون البريطانيون بالطبع هذه الميول، رغم أنه يجب التنويه أنهم أيضاً أشاروا بانتظام إلى العراق، بما فيه الموصل، كـ "دولة عربية"، وأكدوا منذ البداية أهمية تأسيس “إدارة عربية” في البلاد كوسيلة للحكم البريطاني غير المباشر.
يمكن أن نشير أن احتمال دمج الموصل في سوريا لم يكن موضوعاً رئيسياً للنقاش من 1919 إلى 1926، بما أن هذا لم يكن أحد الخيارات المطروحة على الطاولة، بالرغم من سايكس ـ بيكو.(18) إن التخمين الذي قام به الباحثون لعقود حول إن كان من المحتمل أن تنضم بشكل أكثر"طبيعية" لسوريا هو خارج الموضوع. وكانت المشكلة التاريخية الفعلية هي أن بريطانيا تحتل المنطقة عسكرياً، وأرادتْها أن تكون جزءاً من العراق، كما فعل المسؤولون الحكوميون العراقيون والوطنيون العراقيون المعادون للبريطانيين، بينما كان لتركيا مطلب قانوني قوي جداً بما أن الاحتلال البريطاني شكل انتهاكاً للقانون الدولي. ولم يطرح أحد بشكل جدي أن اتفاقاً سرياً في زمن الحرب بين الأوروبيين منح سوريا أو فرنسا أي حق معروف محلياً أو دولياً بالموصل، باستثناء بعض التبرم قصير الأمد من المسؤولين الفرنسيين حول أفعال حليفهم في زمن الحرب (والذي تم تخفيفه بأية حال في 1920، بعد أن وعدت بريطانيا فرنسا بحصة مستقبلية من نفط الموصل). إن فكرة أن هناك نقطة ارتكاز أرخميدية معينة يمكن انطلاقاً منها إنشاء (أو سبق أن نشأت) حدود دولية هراء واضح. لكنها فكرة ساعد سرد “اختُرع في أوربا” على تدعيمها، ربما رغماً عنه، عبر إدامة فكرة أن فعل رسم خط ـ أي خط ـ على خريطة في أوربا يمتلك القوة شبه السحرية لإنشاء حدود في آسيا. ربما كان إسهام المؤرخين في هذه القصة يتعلق بما دعاه نيل سميث المفهوم "المصاب بفقر الدم" على نحو متزايد للجغرافيا داخل التخصص التاريخي الأكاديمي، على الأقل في الولايات المتحدة الأميركية، في مجرى القرن العشرين.(19)
ظهور سرد الدولة المصطنعة
بينما يلهم سرد العراق كدولة مصطنعة خطابات أخرى حول دول ما بعد استعمارية أخرى (خاصة في الشرق الأوسط وأفريقيا) فإنه يمتلك تاريخه الفريد. فقد بزغ في الأعوام الأولى من تشكل الدولة، وكان متصلاً بمزاعم عدم قابلية الرعايا العراقيين للحكم بمعنى أن الريفيين لا يحكمون لأنهم قبليون وغير متحضرين، والمدينيين لأنهم متغايرون إثنياً ودينياً. وكان هذا في الأصل سرداً استعمارياً، استُخدم لتبرير استمرار احتلال بريطانيا للعراق. وفي أوائل 1922، عبّرتْ صحيفة التايمز اللندنية عن الشبهة البازغة بأن هناك شيئاً فضائحياً حيال العراق:"لا يوجد هدف مشترك بعد يحفّز هذه الجماعات المتغايرة… إن بلاد ما بين النهرين، بحدودها الغامضة وسكانها المختلطين، عوملت كدولة، كدولة جنينية، كي توضع في مرتبة الديمقراطيات الحديثة المتضمنة في عصبة الأمم". (20) إن هذه الحجة، التي تستحق التذكر، كانت رداً واضحاً على المطالب الوطنية العراقية من أجل السيادة. وكان الحاكم الملكي العام إي. تي. ولسون مسؤولاً عن إخماد ثورة 1920 التي طالبت بجلاء القوات البريطانية و"الاستقلال التام" للعراق داخل "حدوده الطبيعية"، بكلفة ثمانية آلاف قتيل عراقي وخمسمائة قتيل بريطاني وهندي، بحسب التقديرات البريطانية. مع ذلك في مذكراته لسنة 1931، زعم أنه في فترة 1917-1920 لم تكن الوطنية "عنصراً مهماً في العراق… وبالكاد كانت فكرة العراق كدولة مستقلة قد اتخذت شكلاً، لأن البلاد كانت تفتقر للتجانس، الجغرافي أو الاقتصادي أو العرقي".(21) أورد حتي مصادر بريطانية قديمة، كي يدعم هذه المزاعم، مقتبساً ماركيز سالسبري في 1878 أن "تركيا الآسيوية تحتوي سكاناً من أعراق وعقائد كثيرة، لا تملك مقدرة على الحكم الذاتي ولا تطلعات للاستقلال".(22)
استحضر المسؤولون العراقيون سرديات مشابهة لأهداف متنوعة في العشرينات والثلاثينات. وفي 1932، العام الذي صار فيه العراق مستقلاً رسمياً وانضم إلى عصبة الأمم، أعلن الملك فيصل:
في هذه الصدد وقلبي ملآن أسى إنه في اعتقادي لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد كتلات بشرية خيالية خالية من أي فكرة وطنية متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لاتجمع بينهم جامعة، سماعون للسوء، ميالون للفوضى، مستعدون دائما للانتقاض على أي حكومة كانت. (23)
استُحضر هذا الكلام على نطاق واسع مع مرور الأعوام كدليل إضافي على أن العراق نفسه فضيحة من نوع ما. أما أسطر فيصل التالية فإنها لا تُضمَّن في الغالب:” الغالب:"فنحن نريد في الحالة هذه أن نشكل من هذه الكتل شعبا نهذبه، وندربه، ونعلّمه...هذا هو الشعب الذي أخذت مهمة تكوينه على عاتقي".(24)
وكمثل معظم بناة الدول في زمنه، كان فيصل يفهم جيداً أن الدول ـ الأمم تُبنى، الأمر الذي يعني لبنّائي الدول أنها يجب أن تُبنى. لكن قد يكون أيضاً من المفيد التركيز على لماذا أثيرتْ هذه الاقتباسات كي تفعل في السياق الذي أُطلقت فيه أكثر من التركيز على ما تقوله عن العراقيين. بالطبع، إن العراقيين في العقد الأول من وجود العراق لم يثوروا ضد "أية حكومة كانت"، كما زعم فيصل. ثاروا ضد حكومة فيصل ونظام الانتداب البريطاني الذي سنده. وغمر الخطاب الذي قال إن العراقيين بطبيعتهم غير قابلين للحكم جميع الصراعات في العراق في سرد وحيد، مسبق الصنع، وتفسيري، كما يواصل خطاب سرد الدولة المصطنعة الفعل اليوم.
ما كان هذا الخطاب أكثر اهتماماً بغمره ونسيانه في العشرينيات والثلاثينيات، هو ثورة 1920 على الأرجح. إن المصادر المعاصرة عن هذه الثورة لا تدعم فكرة أن العراق كان فرضاً استعمارياً. فقد كان الطلب المتواصل للمتمردين، من الموصل إلى بغداد، وفي المدن الشيعية الجنوبية، هو الاستقلال التام للعراق داخل ما دعوه "حدوده الطبيعية"، التي عرّفوها بأنها تمتد من شمال الموصل إلى الخليج الفارسي. (25) لا يعني هذا أن جميع العراقيين شاركوا في الثورة، بل بالأحرى أن معظم من شاركوا كانوا يحتجون ضد الاحتلال العسكري البريطاني والانتداب البريطاني، وليس على رسم حدود العراق وتشكّله كدولة ـ أمة. في ذلك الوقت، كانت فكرة عدم أصالة العراق خطاباً استعمارياً حصرياً تقريباً.
ولحسن حظ العراقيين، إن الجماعة الصغيرة من المسؤولين البريطانيين الذين قالوا بعد الحرب إن حدود الدولة الجديدة يجب أن تستند إلى حدود عرقية وطائفية خسرت المعركة؛ بالتالي لم يشهد العراق مشاريع رئيسية من التطهير العرقي في العشرينات. وكما قلت، أسهمتْ عوامل كثيرة في هذه النتيجة، بما فيه مطالب عراقية وطنية، ومصالح إمبراطورية بريطانية، وأفعال جيران العراق. وغالباً ما أشار منتقدو الحجة إلى الصعوبة الكبيرة في تطبيق رؤية عرقية طائفية في المنطقة. وبالفعل، كانت هذه الرؤية هي التي استمدت منطقها من فنتازيا خريطة فارغة، أو خريطة مليئة بفضاء متجانس فارغ: فارغ من التاريخ؛ من المطالب بالأرض وموارد أخرى؛ من جيران يتحدثون لغات مختلفة؛ وقرى متعددة الإثنيات، وعملياً من أية مدينة مدركة؛ ومن وجود حدود محلية أو دولية؛ ومن معاهدات واتفاقيات وُقعتْ سابقاً؛ ومن قوانين محلية ودولية؛ وحتى من جبال وأنهار وصحارى وآبار نفطية. لا شيء سوى المكان الفارغ وهويات عرقية طائفية ثابتة.
لكن هذه الفكرة طُرحت منذ مائة عام. ما قلتهُ أيضاً هو أن سرد العراق كدولة مصطنعة بزغ من الصراعات والسيرورات التاريخية نفسها التي كانت تُوظف آنذاك استعادياً كي تفسّر، وكذلك كي تحجب. وبدلاً من وضع السرد في سياق تاريخي، عبر استقصاء بزوغه في الأعوام التالية للحرب العالمية الأولى، فإن الباحثين ومعلقين لا يُحصى لهم عدد استخدموه وعاودوا استخدامه كي يفرغوا العراق من التاريخ.
(أشكر كلاً من بيث بارون، هالا فتاح، وسميرة حاج ودينا رزق خوري وأمنية الشاكري على تعليقاتهم المفيدة جداً على النسخ الأولى من هذا المقال)
[ترجمة أسامة إسبر. إضغط هنا للإطلاع على الجزء الأول و الجزء الثاني بالإنجليزية ]
[i] The 1919 program of al-Ahd al-Iraqi is reproduced in Muhammad Mahdi al-Basir, Tarikh al-Qadiyya al-`Iraqiyya (Baghdad: Matba`at al-Fallah, 1924), 100–112; for more on the group’s definition of Iraq’s borders, see p. 116. See also Eliezer Tauber, The Formation of Modern Syria and Iraq (New York: Routledge, 1995), 179. On the declaration of Iraq’s independence at the Arab conference, and its coordination with nationalists inside Iraq, see `Ali al-Wardi, Lamahat Ijtima`iyya min Tarikh al-`Iraq al-Hadith (Qumm: Maktabat al-Sadr, 2004), 5.1:51, 132.
[ii] For the 1919 Haras platform, see al-Basir, al-Qadiyya al-`Iraqiyya, 137-38; `Abd Allah al-Fayyad, al-Thawra al-`Iraqiyya al-Kubra Sanat 1920 (Baghdad: Matba`at al-Irshad, 1963), 165.
[iii] See al-Wardi, Lamahat, 5.1:71–89; al-Basir, al-Qadiyya al-`Iraqiyya, 81–88; Philip Ireland, Iraq: A Study in Political Development (New York: Russell & Russell, 1937), chap. 9.
تختلف المصادر العراقية والبريطانية حول ما حدث في بعض اجتماعات الاستفتاء، مما سبب تشوشاً مستمراً في البحث الأكاديمي. بالنسبة لبغداد، النتائج غير قابلة للجدل، بما أن رداً واحداً موحداً يطالب باستقلال العراق التام صدر عن اجتماع وجهاء سنة وشيعة. في مدن أخرى، انقسمت الجماعة الأصلية وأصدرت ردين، مانحة هكذا الباحثين المعاصرين واللاحقين خيار الاختيار.
[iv] The best account of the Dayr al-Zur conflict in English is Eliezer Tauber, “The Struggle for Dayr Al-Zur: The Determination of Borders Between Syria and Iraq,” International Journal of Middle East Studies 23, no. 3 (1991): 361–85. The struggle is discussed extensively in the Arabic-language historiography; see, for example, al-Basir, al-Qadiyya al-`Iraqiyya, 117–30; al-Wardi, Lamahat, 5.1:146–57.
[v] أنا لا أقول إن ثورة ١٩٢٠ “بدأت” في دير الزور، وهذا جدل رئيسي في علم تأريخ العراق، وخاصة بالعربية. إن المواقف الثلاثة في الجدل هي أن العلماء الشيعة بدأوها هم وأتباعهم القبليون في أواسط الفرات؛ وبدأها المفكرون الوطنيون بدعم شعبي في بغداد؛ والضباط العراقيون السابقون في الجيش العثماني في دير الزور، بمساعدة من الموصل. إن موقفي الخاص هو أنه من المستحيل الإشارة إلى مكان بدء وتوقيت للثورة، بما أن الانتفاضات كانت شائعة جداً في الفترة الكاملة من الاحتلال البريطاني. إن ما جعل ثورة ١٩٢٠ مهمة هكذا كان بالضبط أن انتفاضات رئيسية نشبت تقريباً بشكل متزامن في هذه الأماكن الثلاثة، وأن اللغة المتماثلة تقريباً للمطالب التي صدرت للسلطات الاستعمارية البريطانية بينت التنسيق، أو على الأقل التواصل، بينها.
[vi] Al-Basir, al-Qadiyya al-`Iraqiyya, 129.
[vii] Arnold Talbot Wilson, Mesopotamia, Vol. 2: 1917-1920: A Clash of Loyalties (Oxford: Oxford University Press, 1931), 254-55, 310.
[viii] For an explanation of the sources used for this map, which do not include the Uqair Protocol, see Lawrence Martin, “Introduction: The Legal Basis of the New Boundaries,” in The Treaties of Peace 1919-1923 (New York: Carnegie Endowment for International Peace, 1924), 1:xxxvii-xliii; the original map is at 2:966.
[ix] See Daniel Silverfarb, “Great Britain, Iraq, and Saudi Arabia: The Revolt of the Ikhwan, 1927-1930,” International History Review 4, no. 2 (1982): 222-48.
[x] “A Short History of `Iraq-Najd Relations from about the Time of the Fall of Hail to Ibn Sa`ud’s Protest against the Establishment of the `Iraq Police Post at Busaiyah,” FO371/12993, in Records of Iraq 1914-1966, Vol. 3: 1921-1924 (Chippenham: Archive Editions, 2001), 831-41; “The Boundaries of the Nejd: A Note on Special Conditions,” Geographical Review 17, no. 1 (January 1927): 128-34; Daniel Silverfarb, “The Treaty of Jiddah of May 1927,” Middle Eastern Studies 18, no. 3 (1982): 276-85.
[xi] `Abd al-Razzaq al-Hasani, Tarikh al-Wizarat al-`Iraqiyya (Sidon: Matba`at al-`Irfan, 1965), 2:72.
[xii] Quoted in Priya Satia, “The Defense of Inhumanity: Air Control and the British Idea of Arabia,” American Historical Review 111, no. 1 (2006): 42.
[xiii] Al-Basir, al-Qadiyya al-`Iraqiyya, 87; Wilson, Mesopotamia, 286.
[xiv] Al-Hasani, Tarikh al-Wizarat, 2:29, 32.
[xv] Husayn Jamil, al-`Iraq: Shahada Siyasiyya, 1908-1930 (London: Dar al-Laam, 1987), 257
[xvi] Al-Hasani, Tarikh al-Wizarat, 1:188.
[xvii] On the correspondence between the two branches, see al-Fayyad, al-Thawra al-`Iraqiyya, 160. On how the fluidity of Mosuli identities and political affiliations perplexed the League of Nations commission, see Sarah Shields, “Mosul Questions: Economy, Identity, and Annexation,” in The Creation of Iraq, 1914-1921, ed. Reeva Simon et al. (New York: Columbia University Press, 2005).
[xviii] كان هناك نزاع بين العراق وسوريا على حدود الموصل تواصل حتى الثلاثينات، لكن المطالب السورية\\الفرنسية لم تمتد إلى ما وراء الجانب الغربي من سنجار.
[xix] Neil Smith, American Empire: Roosevelt’s Geographer and the Prelude to Globalization (Berkeley: University of California Press, 2003), xviii.
[xx] Quoted in Giuditta Fontana, “Ethno-Religious Heterogeneity and the British Creation of Iraq in 1919-23,” Middle Eastern Studies 46, no. 1 (2010), 13.
[xxi] Wilson, Mesopotamia, ix–x.
[xxii] Ibid., 303.
[xxiii] Abd al-Razzaq al-Hasani, Tarikh al-Wizarat al-`Iraqiyya (Sidon: Matba`at al-`Irfan, 1954), 3:289
[xxiv] Ibid.
[xxv] For an English-language discussion of these sources, see Abbas Kadhim, Reclaiming Iraq: The 1920 Revolution and the Founding of the Modern State (Austin: University of Texas Press, 2012), especially chap. 4, “The Journalism of the Revolution